ماريا منتسوري
(1870 – 1952 م)
بينما كانت أفكار جون ديوي تمد الحركة التقدمية بأساسيات التطوير التربوي في أمريكا كان الأمر نفسه في أوربا يسير نحو تطوير نظريات جديدة تثري التربية والتعليم في أنحاء العالم وكانت ماريا منتسوري (Maria Montessori) على رأس قائمة رواد الفكر التربوي في ميدان الطفل نظرياً وعملياً. منتسوري شخصية قوية تمتاز بسعة وعمق الفكر إلى جانب حركة نشطة مؤثرة وصلت بصماتها شرق وغرب العالم في أقل من نصف قرن. تأثرت ماريا بأفكار روسو الذي طالب بعودة الطفل إلى أحضان الطبيعة فناصرت فكرة تربية الطفل وفق ميوله وقامت بعمل إبداعي إجرائي لتنمية الطفل روحياً وفكرياً وحركياً عبر مجموعة أنشطة تلبي حاجاته وتنمي إمكانياته داخل مؤسسات متخصصة طبقاً لمواصفات وأهداف تعليمية معينة (Parkay & Stanford, 2001, P. 109). آلاف من مؤسسات رياض الأطفال إلى اليوم وفي دول كثيرة تنتمي فكرياً وعملياً لفلسفة ماريا في طرق التعليم الخاصة بتنمية الأطفال وآلاف الجامعات تدرس فكرها التربوي الخصب.
ولدت ماريا منتسوري في إيطاليا مدينة شيارافال Chiaravalle لأسرة محافظة ولكنها دخلت كلية الطب بجامعة روما University of Rome وخالفت التقاليد وتخصصت فيما بعد في دراسة أمراض الأطفال ومشاكل ضعاف العقول. تخرجت عام 1894م وعملت في التدريس في جامعة روما فاهتمت بالأنثروبولوجيا anthropology وطرائق التعليم pedagogy كما عملت طبيبة مساعدة في مستشفى الأمراض العقلية مما جذبها إلى دراسة الأطفال أصحاب المصاعب العقلية ونجحت في تأسيس مدرسة ترعى ضعاف العقول واكتشفت أن لهم قابلية للتعلم الجيد. لاحظت لاحقاً أن الطرق التقليدية في التدريس من أهم أسباب ظهور التأخر الدراسي. عملت ماريا على توفير جو من الحرية للطفل ليختار الألعاب والأنشطة المتوفرة في المدرسة من أجل تطوير قدراته المعرفية ومهاراته الحرية بأسلوب اللعب. اشترطت في الوسائل التعليمية التي ينبغي أن توجد في المدرسة أن تكون قادرة على جذب عناية الطالب وتقوية دافع التعلم عنده. في عام 1915 م تبنت مئات المدارس في العالم نظريات ماريا واليوم نجد الكثير من أفكارها الأصيلة وأنشطتها التعليمية المبتكرة، ووسائلها المقترحة أصبحت من الثوابت التربوية الحديثة وأضحت من أهم معايير تقييم المناهج وإدارة المدارس الخاصة بالأطفال في مرحلة الحضانة ورياض الأطفال. توجت ماريا جهودها بسلسلة من الأسفار والمحاضرات الدولية فأصبحت أول طبية إيطالية تفتح آفاقاً عالمية للطفل مليئة بالابتكار وتستحق الانتشار. تخطت ماريا التربية التقليدية فبنت بيوت الأطفال والمدارس (Casa dei Bambini Children's House)) في بدايات القرن الماضي وكانت في بداية أمرها قرب حي فقير في روما[2]. لقد استفادت ماريا من أطروحات فروبل وروسو وبستالوزي كما تأثرت في بدايات مشوارها العلمي "بجان إيتار" و"إدوارد سيفان" فكل منهما عُني بالتخلف العقلي.
بثت ماريا منهجها وعصارة تجاربها في مجموعة من كتبها مثل:
منهج منتسوري
(The Montessori Method, 1912).
طريقة منتسوري المتقدمة
(Method 1917-18 The Advanced Montessori).
سر الطفولة (The Secret of Childhood 1936).
التربية لعالم جديد
(Education for a New World 1946).
من أجل تربية القدرات الإنسانية
(To Educate the Human Potential 1948).
اكتشاف الطفل (The Discovery of the child).
العقل المستوعب (The Absorbent Mind, 1949).
تتابعت قصص نجاح مدارس منتسوري فقامت في أربعين سنة بنشر خبراتها في العديد من الدول وأشرفت على تأسيس برامج إعداد وتدريب المعلمين وخلال هذه الفترة ترجمت كتبها إلى جميع اللغات العالمية الهامة. تركت منتسوري إيطاليا هرباً من الحركة الفاشية (Fascist rule) التي أسسها موسوليني في إيطاليا وتوسعت مع نفوذ الاشتراكية وبما أن الفاشية كنظام سياسي واجتماعي لا يتماشى مع طبيعة الإنسان الحر والنزعة الديمقراطية فيبدو أن ماريا لم تتأقلم معه. كانت محاضراتها في دول فقيرة وغنية فحاضرت في أوربا وأمريكا وفي الهند وسري لانكا وأسبانيا ثم استقرت ماريا في هولندا حيث توفيت سنة 1952 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق