الخميس، 30 أكتوبر 2008

بعض الأسس التربوية عند ماريا منتسوري





بدأت ماريا مشوارها التربوي في حقل الأطفال مع مجموعة من المعاقين عقلياً وأحرزت تقدماً ملموساً. هذه التجربة النافعة جعلتها توسع نطاق تجاربها فشقت طريقها نحو الأطفال العاديين وحققت نجاحاً فاقتربت من عقل وقلب وجسد الطفل وراحت تفرد الصفحات تلو الصفحات وهي تتحدث عن أسرار ومفاتيح الدخول إلى عالم الطفل.

يمكننا أن نجد ملامح واضحة لمنهج ماريا في مسألتين نراهما من أهم المسائل التي تمكننا من فهم فلسفة ماريا. أولاً: طبيعة الطفل وطرائق التعلم وثانيا: وظيفة المعلمة (الموجهة).

فيما يلي بعض نظرات ماريا في الطفل وأهداف التربية وطرائقها:

الملاحظات العلمية والعملية لماريا تثبت أهمية الطفولة المبكرة وتطالب بضرورة استثمار الطاقة العاطفية الكامنة في الطفل (Montessori, 1995, p. 2). تقول ماريا "إن جاء الخلاص، فإنه يبدأ بالأطفال ما داموا خالقي الإنسانية. إن للأطفال قدرات غير معروفة يمكن أن تكون مفاتيح مستقبل أفضل. فإن أردنا تجدداً وانبعاثاً حقيقياً، فإن تنمية الطاقة البشرية هي المهمة التي ينبغي أن تضطلع بها التربية" (روهرس، 1994 م، ص 117).

الطفل مخلوق مبدع ومن حقه أن يتعلم ويعامل كشخص مستقل right to be treated as an individual. "خطوة التربية الأولى هي أن نؤمن للطفل بيئة تسمح له بتنمية الوظائف التي حددتها له الطبيعة. وهذا لا يعني أن علينا إرضاءه والسماح له بأن يفعل ما يشاء، بل يعني أن نكون على استعداد للتعامل مع نظام الطبيعة، ومع إحدى سننها القائلة بوجوب أن يتم هذا النمو عبر تجارب الطفل الخاصة" (روهرس، 1995 م، ص 116).

التعلم الذاتي (self-education) محور العملية التعليمية.

الصمت وسيلة من وسائل التعليم واللعب وتنمية حاسة السمع عند منتسوري في حين أن المدارس التقليدية تحرص على الهدوء كمظهر من مظاهر النظام والطاعة فقط (Montessori, 1972, 172). فلسفة الصمت وتطبيقاتها للأطفال من الأمور التي لم ينتبه لها المربون من قبل كما قالت منتسوري. الصمت يكون مطلوباً في المدارس التقليدية عندما يختل توازن الأمور فقط أما عند ماريا فالأمر مختلف.

النمو الإنساني هو سلسة من الولادات المتعاقبة (روهرس، 1994 م، ص 117).

ركزت على أهمية الخبرة الذاتية للطفل كأساس من أسس التدريس الناجح.

أعطت اهتماما كبيرا للوسائل التعليمية حتى أنها قامت بنفسها بإعداد وتصميم بعض الوسائل.

نادت بضرورة فتح بيوت للأطفال من سن 3-7 سنوات حيث يقوم البيت بتنمية الجانب العاطفي والاجتماعي للطفل مع التركيز على اللعب وكان ظهور أول بيت لخدمة تلك الفكرة عام 1906م.

على النقيض من مدرسة الجشطالت فإن منهج منتسوري يقوم على أهمية توصيل المعلومات من خلال تدريس المعلومات الجزئية ثم الانتقال إلى المعلومات الكلية أي أن البداية تكون بتعلم الحروف الهجائية ثم يتعلم الطفل الكلمات أو الجمل.

بالغت منتسوري في التأكيد على أهمية الاعتناء بالحواس كالسمع والبصر وقالت أن الحواس أساس النمو العقلي وهي نوافذ المعرفة. تمرين الحواس له أهمية كبيرة في النمو البيولوجي والاجتماعي أيضا كما تقول منتسوري.

لقد رسمت ماريا مسئولية المعلمة (الموجهة) بصورة مختلفة عن النظرة التقليدية فدور الموجهة يتمثل في مراعاة الأمور التالية:

إعداد بطاقة الملاحظة المنظمة وهي تضم معلومات وتعليقات عن الطفل تسجلها الموجهة بانتظام. هذه البطاقة شاملة لأنها ترصد الطفل عاطفيا وعقلياً وجسداً.

المعلمة لا تتدخل في شئون المتعلم بل تساهم في توفير احتياجاته وخاصة الوسائل التعليمية. الأساس في العملية التربوية عند منتسوري هو ميول المتعلمين وأنشطتهم الذاتية وحريتهم الشخصية وبناء على ذلك فإن هدف التربية هو تنمية شخصية المتعلم.

لا تقوم المعلمة بإعداد الدروس التقليدية لأنها تقلل من مساحات الحرية فالصغار لا يحبون الإجبار والحرية أساس النمو السليم.

المعلمة تعد البيئة التعليمية الثرية الشائقة التي تناسب استعدادات وميول الأطفال.

المعلمة قدوة ايجابية لاسيما في هدوئها، وسمتها، وسماحتها.

الصبر والتعاطف مع الطفل من مستلزمات العمل التعليمي لأنها تتسق مع احترام ذاتية الطفل. ومن أشهر أقوال ماريا "اترك الطفل يعمل ما يفكر فيه" (بدر، 2000 م، ص 193).

وسيلة العقوبة (الحرمان من اللعب) والترهيب والنقد ليست من الأساليب الهامة في تربية الطفل فالموجهة لا تتدخل إلا في مسائل محدودة جداً.

يجب أن تتمتع المعلمة بجملة مهارات متميزة في مجال الحركة والموسيقي والرواية والرسم كي توفر المناخ الملائم والممتع للطفل.



تعليقات موجزة على طرائق ماريا

إضافة للتحليلات السابقة ومن خلال جولاتنا العديدة في المدارس الأمريكية وحديثنا مع عدد من المسئولين والعاملين في مدارس رياض الأطفال وجدنا أن مدارس ماريا منتسورى:

1- لها انتشار وتواجد في عدة دول رغم وجود مدارس ومناهج جديدة وبديلة فإن بعض المدارس الخاصة ما زالت تسير على إرشادات منتسوري وبعضها تحمل الاسم نفسه وتتبنى الفلسفة المنتسورية برمتها. قوة سمعة المدرسة المنتسورية في العالم جعلت الكثير من الأسر يطمئنون لهذه النوعية من المدارس.

2- عندها وضوح كامل في الأهداف ونوعية الأنشطة لكل مرحلة عمرية وهذه الأهداف يفهمها العاملون في المدرسة كما يفهما أولياء الأمور.

3- متقيدة في منهج واحد يعتمد على استيعاب الفروق الفردية وتعزيز حرية اللعب والتعلم من خلاله. يلتزم العاملون في هذه المدارس بنظرية ماريا ولا يضيفون عليها وهذا يجعل النظرية جامدة وضيقة الآفاق لأنها مقيدة لإبداعات العاملين.

4- لا تعتني مدارس منتسوري كثيراً بالأنشطة الورقية من كتابة ورسم بقدر اهتمامها بالبرامج الحركية الأخرى كما يزعم بعض الناقدين مع أن منهجها من الناحية النظرية لم يغفل هذا الجانب.

5- الأنشطة الجماعية الاجتماعية لا تحتل مكاناً بارزاً في منهج منتسوري إذ أن منهجها مبني على مراعاة الجوانب النفسية أكثر من الجوانب الاجتماعية في رأينا.

6- رغم أهمية هذه المدرسة إلا أنها لا تصلح للجميع وهذا شأن جميع المدارس البشرية وما ذلك إلا لتفاوت الفكر واختلاف الطباع فبعض الأطفال قد يناسبهم الانخراط في مثل هذه المدرسة والبعض الآخر يفضل مدارس لها عناية أكبر بالجوانب الدينية أو الجوانب الاجتماعية. وبطبيعة الحال، فإن أهم سمة للتربية هي أنها متنوعة ولها العديد من النظريات والتطبيقات ولا تخلو مدارسها من جوانب القوة والضعف.

يؤكد موريس شربل في كتابه "علماء التربية وعلماء النفس " على أن أهم الانتقادات التي تم توجيهها لنظرية منتسوري هي كالآتي:

" لا تؤكد منتسوري علي كلية الفرد بل تربي كل حاسة بمفردها.

خططت بنفسها إنتاج الوسائل التعليمية دون أن تأخذ بعين الاعتبار عفوية الطفل وحريته في اختيار الألعاب وفي إمكانية خلق اللعب من صنعه وابتكاره.

أهملت مونتسوري تنمية الخيال في برامجها التعليمية لأنها أكدت جدا على الحواس. رغم الانتقادات العديدة التي وجهت إلى هذه الطريقة في التربية فقد انتشرت في كل بلدان العالم كما تعرضت إلى تعديلات كثيرة في الألعاب والوسائل والانتظام" (ص 238).

لاحظت د. سهام محمد بدر (2000 م) أن ماريا أهملت الحاسة الأدبية عند الطفل (ص 198).

تعتقد د. سهام محمد بدر أن منتسوري اعتمدت على تعليم الحروف ثم الكلمات فالجمل وهو منهج لا يناسب عقل الطفل (ص 198). والذي نراه أن منهج التعليم من خلال الجزء للكل قد يناسب بعض الطلاب وأن الخلاف نسبي فأهل المشرق والمغرب قديما كما ذكر ابن خلدون قد اختلفوا في هذا الموضوع ومن الواضح أن د. سهام تنتصر لمدرسة الجشطالت التي تؤكد على تعليم الكليات (الكلمات) قبل الجزئيات (الأحرف) وهو المذهب السائد في الأقطار العربية وغيرها اليوم في النظرية والتطبيق.

رغم تأثر ماريا منتسوري بالدين (المسعد والهولي، 2002 م، ص 95) إلا أنها لم تضع معالم واضحة للتربية الدينية (بدر، 2000 م، ص 197).

أهملت التمثيل والأشغال اليدوية (بدر، 2000 م، ص 197). رغم أهميتها ومناسبتها للأطفال.

علق كلباترك (Kilpatric) على مجهودات ماريا بعد دراسة شاملة فقال "لقد جعلت منتسوري من نفسها خير قدوة لما يجب أن تكون عليه الأم في المنزل والمربية في روضة الأطفال، والمعلمة في المدرسة الابتدائية بما أكدته من وجوه من اعتماد الطفل على نفسه ومن اقتصار تدخلها في أموره على أضيق الحدود ومن اختصارها لزمن الدرس مما يثير الشوق ويدفع الملل ويشد الانتباه ويدفع للعمل ويدعو للإقبال وينشر في المدرسة حياة طبيعية تنمي الميول والقدرات" (صبح، 1993 م، ص 93 ). قال جون ديوي "كل لعبة من ألعاب منتسوري تخفي من خلالها صعوبة من الصعوبات يتطلب من الطفل تذليلها" (بدر، 2000 م، ص 199). وكأن ديوي يدافع عن ماريا ويؤكد أن منهجها عملي يهتم بالابتكار وحل والمشكلات.



ليست هناك تعليقات: